كم مرةً شعرتَ برنينٍ خفيٍّ داخل قلبك، يدفعكَ نحو مساعدة شخصٍ غريبٍ، أو نحو مشاركة لحظةٍ من الألم مع من لا تعرفه؟ ذلك الشعور، تلك الرغبة البسيطة في التخفيف عن الآخر، هو جوهر التعاطف. في زحمة حياتنا اليومية، بين ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، قد ننسى أحيانًا تلك القوة الكامنة فينا، تلك القدرة على أن نضع أنفسنا مكان الآخر، وأن نشعر بما يشعر به. ننسى أن مجرد إظهار القليل من الاهتمام، سماع قصةٍ بصبرٍ، أو تقديم يد العون، يمكن أن يُحدث فرقًا هائلًا في حياة شخصٍ ما. التعاطف ليس مجرد شعورٍ عابر، بل هو فعلٌ إيجابيٌّ، قوةٌ تُضيء الظلام وتُزرعُ الأمل في القلوب. هو فنٌّ نحتاجُ جميعًا إلى إتقانه، لخلق عالمٍ أكثر رحمةً وتفاهمًا.

كأنّها مرآةٌ تُعيد رسمَ الضحكةِ على وجوهٍ غريبة.

هذا القول البديع يُلخّصُ جوهر التعاطف بشكلٍ رائع. فالتعاطف، كالمرآة، يعكس مشاعر الآخرين، ولكن ليس مجرد انعكاسٍ سلبيٍّ، بل إعادة رسمٍ إيجابيّةٍ. عندما نتعاطف مع شخصٍ حزين، فإنّ تعاطفنا لا يزيد من حزنه، بل يعطيه أملًا جديدًا، يدفعه نحو الشفاء. تخيلوا مثلاً مريضًا في المستشفى، وحده ويشعر بالوحدة والخوف، فجأةً يزوره زائرٌ يتعاطف معه، يستمع إليه، يُشاركَه بعض الكلمات الطيبة. هذه الزيارة البسيطة قد تُعيد رسم الضحكة على وجهه، وتُعيد إليه جزءًا من أملِهِ في الشفاء. هذه هي قوة التعاطف، قوةٌ تُغيّرُ الموازين وتُعيدُ بناءَ الثقة والأمل. و لا تقتصر هذه القوة على المواقف الكبيرة، بل تمتد إلى أبسط التفاصيل، كمساعدة شخصٍ عجوزٍ في حمل أغراضه، أو تقديم المساعدة لزميلٍ في العمل يواجه صعوبةً ما.

إنّ ممارسة التعاطف ليست عمليةً معقدة، بل هي قرارٌ يوميٌّ نتخذه، اختيارٌ نُقدّمه لأنفسنا ولمن حولنا. بإمكاننا أن نبدأ بتدريب أنفسنا على الاستماع الفعال، على محاولة فهم منظور الآخر، ووضع أنفسنا مكانه، حتى ولو لفترةٍ وجيزة. حاولوا أن تضعوا أحكامكم جانبًا، وتفتحوا قلوبكم للآخرين. فالتعاطف ليس ضعفًا، بل هو دليلٌ على قوةٍ نفسيةٍ وقدرةٍ على فهمِ عمقِ المشاعر الإنسانية.

في الختام، إنّ التعاطف هو ركيزةٌ أساسيةٌ لبناء علاقاتٍ إيجابيةٍ، وخلقِ مجتمعٍ متماسكٍ. إنه قوةٌ كامنةٌ فينا جميعًا، تحتاجُ فقط إلى تنشيطها وترسيخها في حياتنا اليومية. فلنأخذ لحظةً للتفكير في كيفية تطبيق التعاطف في حياتنا، ولنمشاركة أفكارنا مع الآخرين. فلنعمل معًا على بناء عالمٍ يزخرُ بالرحمة والتفاهم، عالمٍ يعكس فيه التعاطف جمالَ الروح الإنسانية.

Photo by Jeremy Bishop on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top