كم مرة شعرتَ بضيقٍ في صدرك، لا تستطيعُ تفسيره، إلاّ بعد أن فهمتَ ما يمرّ به صديقٌ أو قريبٌ لك؟ كم مرة وجدتَ نفسكَ تتفاعلُ مع موقفٍ ما، لا لأنكَ عشتهُ بنفسك، بل لأنكَ استطعتَ أن تتخيلَ مشاعرَ من يعيشه؟ هذا بالضبط هو جوهرُ التعاطف، هذه القدرةُ الرائعة على فهمِ الآخرين، على الشعورِ بما يشعرون به، دون الحاجة إلى المرورِ بنفس التجارب. في زحمة الحياة اليومية، بين ضغوط العملِ والمسؤولياتِ العائلية، ننسى أحيانًا أن نُطلّ على عوالمِ من حولنا، ننسى أن نسمعَ أصواتَ قلوبهم، وأن نفهمَ ما يخفيهُ صمتُهم. فالتعاطف ليس مجردَ شعورٍ عابر، بل هو جسرٌ يربطُ بين القلوب، هو أساسٌ للعلاقاتِ الإنسانيةِ السليمةِ والمتينة. هو ما يُشكلُ نسيجَ مجتمعٍ متماسكٍ ورحيم.
قطرات مطر على نافذة الروح، ترسم لوحةً من الفهم.
هذا المثلُ الجميلُ يُلخّصُ جوهرَ التعاطفِ ببراعةٍ. فكما تُرسمُ قطراتُ المطرِ على نافذةِ الروحِ لوحةً جميلةً من الانعكاساتِ والألوان، كذلك يَرسُمُ التعاطفُ لوحةً من الفهمِ والقبولِ والتسامح. تخيل أنكَ تُراقبُ شخصاً ما يبكي، فلا تُركزُ فقط على دموعه، بل حاول أن تُدركَ سببَ تلك الدموع، الألمَ الذي يُخفيه، الخوفَ الذي يُطارده. هذا هو الفهمُ الذي يُولّدهُ التعاطف، هو القدرةُ على رؤيةِ العالمِ من منظورِ الآخر، على الوقوفِ مكانهِ لفترةٍ من الزمن، لِلتعرفِ على ما يُعانيه. التعاطف ليسَ ضعفاً، بل هو قوةٌ عظيمةٌ، قوةٌ تُمكّنكَ من بناءِ علاقاتٍ إيجابيةٍ، وقوةٌ تُساعدُكَ على أن تكونَ إنساناً أفضل. فكر في الأوقات التي شعر فيها الآخرون بالتعاطف معك، كيف شعرتَ حينها؟
لتنمية التعاطف، علينا أن نُمارسُ الاستماعَ الفعّال، أن نُركزَ على كلماتِ الآخرين، ولغةِ جسدهم، وحتى صمتهم. علينا أن نتّركَ أحكامناِ المُسبقة جانباً، ونحاولَ أن نفهمَ المواقفَ من زوايا نظرٍ مختلفة. بإمكاننا أن نبدأَ بمحيطنا القريب، عائلتنا، أصدقائنا، زملائنا في العمل، بالتعرفِ على قصصهم، على أحلامهم، على مخاوفهم، بإعطائهم مساحةً للتعبير عن أنفسهم بحرية. كلٌ منا لديهُ قصةٌ تستحقُ أن تُسمع، كلٌ منا لديهُ مشاعرٌ تستحقُ أن تُفهم.
في النهاية، التعاطف ليسَ مجردَ مفهومٍ نظري، بل هو سلوكٌ نحتاجُ إلى ممارستهُ يومياً. دعونا نُمارسُهُ من خلال الاستماعِ، والفهمِ، والاحترامِ، والمُشاركةِ. أخذ وقتٍ للتفكير في تجارب الآخرين، ومحاولة فهم مشاعرهم، هو خطوةٌ أساسيةٌ نحو بناء عالمٍ أكثر رحمةً وتفهماً. شاركونا أفكاركم حول هذا الموضوع، وأنتمَ تُمارسونُ التعاطفَ في حياتكمِ اليومية. دعونا نحاول أن نُشكل، جميعاً، لوحةً جميلةً من الفهمِ والتعاطف، قطرةً قطرةً.
Photo by Andrey Zvyagintsev on Unsplash