هل سبق وأن شعرتَ بفوضى داخلية؟ كأنّ أفكاركَ متشتتة، وأولوياتكَ غير واضحة، وحالتكَ المزاجية تتقلب كأحوال الطقس؟ هذا الشعور، بقدر ما هو شائع، إلا أنه يدلّ على الحاجة الماسة لرحلةٍ مهمة: رحلة المعرفة الذاتية. ليست المعرفة الذاتية مجردَ مُصطلحٍ نفهمُ معناه نظرياً، بل هي عمليةٌ يوميةٌ تتطلب التفاني والصبر والاستعدادَ للمواجهةِ الصادقةِ مع أنفسنا. فكّر في قراراتكَ اليومية، اختياراتك، ردود أفعالك، هل هي انعكاسٌ لشخصيتكَ الحقيقية، أم هي نتاجٌ للتوقعاتِ المجتمعية، أو تأثيرِ الآخرين؟ رحلةُ اكتشافِ الذات هي رحلةٌ إلى عمقِ روحكَ، لفهمِ دوافعك، وقيمك، ومواهبك، وحتى مخاوفك. إنّها بدايةٌ لبناءٍ متينٍ ومستدامٍ لحياتك.
كأنّكَ تُعيدُ بناءَ نفسكَ من رمالٍ ملونةٍ.
هذا التشبيه الرائع يُجسّد ببراعةٍ عمليةَ بناءِ الذات. فكّر في الرمال الملونة: كل حبةٍ تمثلُ جزءاً من شخصيتكَ، تجربتك، ذكرياتك، حتى أخطائك. بعضُ هذهِ الحباتِ لامعةٌ وَجميلةٌ، تمثلُ نجاحاتكَ ومواهبك، وبعضها باهتٌ، يرمزُ إلى مراحلَ صعبةٍ تخطيتها. لكنّ الجميلَ في الأمر أنّكَ لستَ مُلزَماً ببقاءِ هذهِ الرمالِ متناثرةً، بل بإمكانكَ جمعها، وخلطها، وبناءُ شكلٍ جديدٍ منها. هذهِ هي المعرفةُ الذاتية: فهمُ مكوناتِ ذاتكَ، تقبلُها، وإعادةُ تشكيلها بطريقةٍ تخدمُ سعادتكَ وتحققُ طموحاتك. تستطيعُ بناءَ قصرٍ متينٍ من هذهِ الرمالِ، أو بناءَ شكلٍ فنيٍّ جميل، الخيارُ بيدكَ.
مثلاً، إذا كنتَ تعاني من انعدامِ الثقةِ بنفسك، فإنّ رحلةَ المعرفةِ الذاتية ستساعدُكَ على فهمِ أسبابِ هذا الشعور، وإيجادِ الطرقِ لتخطيها، وإعادةِ بناءِ ثقتكَ بقدراتك. أو إذا كنتَ تشعرُ بالضياعِ في حياتك، فسوفَ تساعدُكَ المعرفةُ الذاتية على استكشافِ قيمكَ، وأولوياتك، وطموحاتك، لتحديدَ مساركَ بصورةٍ أكثرِ وضوحاً.
لذا، دعونا نبدأ بمراجعةِ أنفسنا، استكشافَ مكوناتِنا، وتقبلَ جميعِ جوانبِنا، حتى الأجزاءِ التي لا نُحبّها. انعكسوا على الرمالِ الملونةِ التي تكوّن ذاتَكم، وكيفَ ستُعيدونَ بناءَ أنفسكم؟ شاركوا أفكاركم، وتجاربكم، لأنّ رحلةَ المعرفةِ الذاتيةِ هي رحلةٌ جماعيةٌ، ولها أثرٌ عميقٌ على حياتنا. فبناءُ ذاتٍ قويةٍ ومُتوازنةٍ هو أساسُ السعادةِ والنجاح.
Photo by Aiony Haust on Unsplash