هل سبق لك أن شعرتَ بالضياع؟ كأنكَ تُبحرُ في بحرٍ واسعٍ بلا بوصلة، تائهٌ بين رغباتٍ متضاربةٍ وأحلامٍ مُبعثرة؟ نحن جميعًا نمرُّ بهذه اللحظات، لحظاتٍ يشعر فيها الإنسانُ بعدمِ الوضوحِ تجاه نفسه، تائهًا بين ما يريده وما يعتقد أنه يجب عليه فعله. رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ ليستْ مجردَ مُصطلحٍ نفسيٍّ مُعقّد، بل هي رحلةٌ يوميةٌ نُسافرُ فيها لاكتشافِ أنفسنا، فهمِ نقاطِ قوتنا وضعفنا، وتحديدِ مسارنا في الحياة. هي استكشافٌ دقيقٌ لمشاعرنا، أفكارنا، وقيمنا، ما يجعلنا نَشعُرُ بالسعادة، وما يُثيرُ قلقنا. هي عمليةٌ مستمرةٌ تتطلبُ الصبرَ والتفاني، ولكنها في نهاية المطاف، رحلةٌ مُجزيةٌ تُثري حياتنا بشكلٍ كبير. إنها رحلةٌ نبدأها بأنفسنا، ونبنيها بيدينا، قطعةً قطعةً.
كأنكَ تُعيدُ بناءَ نفسكَ من كُسُورِ مرآةٍ، قطعةً قطعةً.
هذا الكلامُ يَجسّدُ بِدقةٍ عمليةَ المعرفةِ الذاتية. فكثيرًا ما تُصيبُنا الصدماتُ والتجاربُ المُؤلمةُ، فتُحطّمُ صورةَ الذاتِ التي كُنّا نُرسمُها لأنفسنا. نتكسرُ كالمرآة، تتبعثرُ شظاياُ أجزاءنا، وتفقدُ صورتنا وضوحها. إلا أنَّ عمليةَ إعادةِ البناءِ تبدأُ هنا، قطعةً قطعةً. نبدأُ بجمعِ تلكَ الشظايا، فحصِ كلٍّ منها، فهمِ ما تمثّله من جوانب شخصيتنا، سواءٌ أكانت جوانبَ إيجابيةً أم سلبيةً. بعضُ هذهِ الشظايا قدْ يُمثّلُ ذكرياتٍ مؤلمةً، لكنّها تُساعدُنا على فهمِ أسبابِ بعضِ تصرفاتنا، ومواجهةِ مخاوفنا. بعضها الآخر قدْ يُمثّلُ مواهبَ ومهاراتٍ لم نكن نُدركها من قبل. كلّ قطعةٍ تُساهمُ في بناء صورةٍ أوضحَ وأكملَ لأنفسنا، صورةٍ مُعبرةٍ عن هويتنا الحقيقية.
فمثلاً، قد نكتشف أن خوفنا من الفشل هو ما منعنا من السعي لتحقيق أحلامنا، أو أنَّ ميلنا للكمال هو ما جعلنا نُعاني من الإجهاد. وعندما نفهم هذه الجوانب، نستطيع أن نعمل على تعديلها، وتطوير أنفسنا تدريجيًا، قطعةً قطعةً. وهذا يتطلبُ الكثير من الصبرِ والعملِ على الذات، الاستماعِ إلى صوتِ ضميرنا، والبحثِ عن الدعمِ من المُحيطينِ بنا. وحتى التسامحُ مع أنفسنا هو جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرحلة.
في النهاية، رحلةُ المعرفةِ الذاتيةِ هي رحلةٌ مُستمرةٌ لا نهايةَ لها. هي عمليةُ بناءٍ مستمرةٍ، قطعةً قطعةً. لذا، خصصوا وقتًا للتفكير في أنفسكم، استمعوا إلى مشاعركم، وواجهوا نقاط ضعفكم بقوة. شاركونا أفكاركم حول هذه الرحلة المُذهلة. تذكروا، بناءُ الذاتِ هو استثمارٌ في أنفسكم وفي مستقبلكم، استثمارٌ لا يُضاهى قيمته. ابدأوا رحلتكم اليوم، قطعةً قطعةً.
Photo by Jason Leung on Unsplash