كم من مرةٍ شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبك، تلك التي تُنبئك بأنّ هناك من يحتاجُ إلى يدٍ مُمدّة، أو كلمةٍ طيبة؟ كم من مرةٍ وقفتَ حائراً أمام معاناةٍ لا تفهمُ تفاصيلها، لكنّها تُثيرُ فيكَ مشاعرَ عميقةً من التعاطف؟ التعاطف، هذا الشعور الإنسانيّ الرائع، ليس مجرّدَ إحساسٍ عابر، بل هو جسرٌ يربطُ بين القلوب، هو نافذةٌ تُطلُّ على عوالمَ أخرى، وعلى قصصٍ تُخبئُ في طياتها ألمًا وفرحًا على حدٍّ سواء. في زحمة حياتنا اليومية، وفي ضجيجِ أخبارِ العالم، يُصبحُ التعاطف منارةً تُرشدنا إلى معنى الإنسانية الحقيقيّة، إلى قدرةِ القلبِ على فهمِ الآخر، وإدراكِ معاناته، ومشاركتهِ أحاسيسه. نحتاجُ جميعًا، في هذه الرحلةِ الحياتية، إلى أن نُدركَ قوةَ التعاطف، وقدرتهِ على صنعِ الفرق.
كأنّها مرآةٌ تُرَى فيها نجومٌ خفية.
هذا الوصفُ الشاعرِيّ للتعاطفِ جميلٌ دقيقٌ. فالتعاطفُ كالمرآةِ يُظهرُ لنا ما يختبئُ في قلوبِ الآخرين، نجومًا خفيةً من المشاعرِ والأحاسيس، قد تكونُ مُخبأةً تحتَ طبقاتٍ من الصمتِ أو الكبرياءِ. عندما نُتعاطفُ مع شخصٍ ما، نُصبحُ أكثرَ وعيًا بما يمرُّ به، نُدركُ صراعاتهِ الداخليةَ، ونُشاركُهُ ألمهُ أو فرحهُ. تخيلوا، مثلاً، زميلًا يمرُّ بمرحلةٍ صعبةٍ في حياته، فالتعاطفُ ليسَ مجرّدَ قولِ “أنا أسفٌ”، بل هو سماعُ كلامهِ بانتباه، وإظهارُ دعمٍ حقيقيٍّ، وإعطاؤهُ مساحةً للتعبيرِ عن مشاعره. هو أن تُرى نجومُهُ الخفية، وتُضيءَ بفضلِ تعاطفك.
لذا، دعونا نُمارسُ التعاطفَ بشكلٍ يومِيّ، في تعاملاتنا مع أفرادِ أسرتنا، أصدقائنا، زملائنا، وجيراننا. دعونا نُحاولُ أن نَفهمَ وجهاتِ نظرِ الآخرين، حتى لو اختلفتْ عن وجهاتِ نظرنا. لنضعْ أنفسنا مكانَهم، ونَتخيّلَ كيف نُريدُ أن نُعاملَ في مواقفهم. إنّ بناءَ علاقاتٍ قائمةٍ على التعاطفِ هو بناءٌ لعالمٍ أكثرَ سلامًا وإنسانيةً. انعكسوا في مرآةِ قلبكم، ابحثوا عن النجومِ الخفية، وَشاركوا العالمِ نورَ تعاطفكم. شاركونا أفكاركم وخبراتكم في تعزيزِ التعاطف في حياتكم يومياً. فالتعاطف ليس مجرّدَ شعور، بل هو خيارٌ يُغيّرُ الحياةَ.
Photo by Filipe Esteves on Unsplash