هل سبق لك أن شعرتَ بالضياع؟ تائهًا بين رغباتٍ متضاربةٍ وأحلامٍ بعيدة المنال؟ كأنّكَ سفينةٌ بلا بوصلةٍ، تُبحرُ في بحرٍ واسعٍ من التساؤلات، دون معرفةٍ وجهتكَ الحقيقية؟ هذه المشاعر، مع الأسف، تجربةٌ مشتركةٌ بين الكثيرين. ففي زحمة الحياة اليومية، بين متطلبات العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية، ننسى أحيانًا أن نخصص وقتًا لأنفسنا، لِلتفكر في من نحن حقًا، وما الذي يجعلنا مختلفين، وما هي طموحاتنا الحقيقية. رحلةُ معرفة الذات ليست مجردَ هوايةٍ أو تمرينٍ روتينيّ، بل هي أساسٌ لبناء حياةٍ مُرضيةٍ وسعيدةٍ، رحلةٌ تستحقُ الجهدَ والوقتَ لأنّها تؤدي إلى اكتشاف كنوزٍ خفيةٍ في أعماقِ شخصيتنا. رحلةٌ تُشبهُ بناءَ قصرٍ متينٍ من حجارةٍ قويةٍ، لكنّ هذه الحجارة هي تفاصيلُ شخصيتنا وعواطفنا وخبراتنا.
كأنّكَ تُعيدُ بناءَ قصرٍ من رمالٍ، حبةً حبةً، لتكتشفَ هندستهَ السرية.
هذا التشبيهُ جميلٌ ودقيقٌ في وصفِ رحلةِ معرفةِ الذات. فكلّ تجربةٍ، كلّ درسٍ، كلّ عاطفةٍ نمرّ بها، هي بمثابةُ حبةِ رملٍ نضيفها إلى بناءِ شخصيتنا. نبدأُ بتجميعِ هذه الحباتِ واحدةً تلوَ الأخرى، ربما في البداية تبدو فوضويةً ومبعثرة، لكنّ مع الاستمرارِ في التفكرِ والاستبطان، نبدأُ في رؤيةِ صورةٍ أوضح، نُدركُ الترابطاتِ بينَ أجزاءِ شخصيتنا، ونكتشفُ الهندسةَ السريةَ التي تُكوّنُ هويتنا. قد نكتشفُ نقاطَ قوتنا و نقاطَ ضعفنا، مواهبنا الخفية، وقيمنا وأساليبنا في التعاملِ مع الحياة. كلّ هذه الاكتشافاتُ تساعدُنا على فهمِ أنفسنا بشكلٍ أعمق، وبالتالي على اتخاذِ خياراتٍ أكثرَ وعيًا في حياتنا.
فمثلاً، قد نُعيدُ تقييمِ علاقاتنا مع الآخرين، ونُحددُ ما نريدهُ من هذهِ العلاقاتِ، وما هو مُناسبٌ لشخصيتنا. قد نكتشفُ أنّ بعضَ المعتقداتِ التي كنا نؤمنُ بها ليستْ صحيحةً، أو أنّها لا تُناسبُنا بعدَ الآن. بناءً على هذهِ الاكتشافاتِ، نستطيعُ تعديلَ مسارِ حياتنا، واتخاذُ قراراتٍ تُسهمُ في زيادةِ سعادةٍ وإنتاجيتنا.
باختصار، رحلةُ معرفةِ الذاتِ رحلةٌ طويلةٌ ومُمتعةٌ، تتطلبُ صبرًا وجهدًا، لكنّ ثمارها ثمينهٌ جداً. أدعوكم اليوم إلى التفكرِ في أنفسكم، وإلى بدءِ رحلةِ الاكتشافِ هذه، حبةَ رملٍ حبةً. شاركونا أفكاركم، وتجاربكم، وإكتشافاتكم في تعليقاتكم. فلنبنِ معًا قصورًا من الرمالِ، قصورًا من الوعيِ والإدراكِ لأنفسنا.
Photo by Alyssa Hurley on Unsplash