كم مرة شعرتَ بِدفءٍ غامضٍ تجاه شخصٍ غريبٍ، أحسستَ به كأنّه جزءٌ مِنك، فهمتَ ما يشعر به دون الحاجةِ لكلماتٍ؟ كم مرة لاحظتَ تعابير وجهٍ صغيرة، نظرةً خفيّة، كشفت لكَ عن عالمٍ من المشاعر، عالمٍ ربما لم يُصارحك به صاحبه صراحةً؟ هذه اللحظات، هذه الومضاتُ من الفهم العميق، هي جوهرُ التعاطف، ذلك الرابط الإنساني الخفي الذي يربطنا ببعضنا البعض، والذي يُغني حياتنا ويُضفي عليها معنىً أعمق. إنّه ليس مجردُ تعاطفٍ عاطفيّ، بل هو إدراكٌ عميقٌ لما يختلج في القلوب، فهمٌ لما يعانيه الآخرون حتى لو لم يُعبّروا عنه صراحةً. فالتعاطف هو لغةٌ صامتةٌ تتحدثُ بها القلوب، لغةٌ يفهمها من فتحوا قلوبهم وقابلوها بصدق.

تَرقُصُ أرواحٌ في زجاجاتٍ صغيرةٍ، تَتَفاهمُ بِلا كَلامٍ.

هذا الجُملةُ الرائعةُ تُجسّدُ جوهرَ التعاطفِ بِشكلٍ بديع. “زجاجاتٌ صغيرةٌ” تُمثّلُ قلوبَنا، أرواحُنا المُحاطةُ بِأسرارنا وآلامنا وفرحنا. “ترقصُ” لأنّ المشاعرَ في حالةٍ دائمةٍ من الحركة، تتفاعلُ وتتغيرُ وتتدفقُ. “تَتَفاهمُ بِلا كلامٍ” هنا يكمنُ سرّ التعاطف، فالتفاهمُ الحقيقيّ يتجاوزُ الكلمات، هو فهمٌ يُحسّ به، شعورٌ يُدركُه القلبُ مباشرةً. تخيّلوا مثلاً، طفلاً يبكي بصمتٍ، أو شخصاً مُنهكاً يحملُ ثقلَ العالمِ على كتفيه، فالتعاطفُ هنا ليسَ بِإلقاءِ بعضِ الكلماتِ المُواسية، بل هو بِإدراكِ ما يُخفيه ذلك الصمت، ذلك الإرهاق، وهو بِمدّ يدٍ دونَ انتظارِ مقابلٍ.

أمثلةٌ كثيرةٌ تحيطُ بنا تُبيّنُ جمالَ هذا التعاطف. ابتسامةُ مُساعدةٍ تُقدّمُ يدها لكِشْخِ مُسِنّ، أو عبارةُ شكرٍ صادقةٌ من طالبٍ لِمُعلّمه، أو مجردُ نظرةٍ فهمٍ مُتبادلةٍ بين صديقين، كلها تُجسّدُ رقصَ الأرواحِ الصامت، ذلك التفاهمُ الذي يُبنَى على التقاربِ الروحيّ والإحساسِ المُشترك.

في النهاية، التعاطفُ هو قوةٌ مُلهمةٌ، قوةٌ تُضيءُ حياتنا وتُلهمُنا بِالعطاءِ والإحسان. دعونا نُدركَ قوةَ هذا الرابطِ الإنسانيّ، وندعُه يُرشِدُنا في تفاعلاتنا مع الآخرين. أخذُ لحظةٍ للتفكرِ في مواقفَ شهدتموها أظهرت فيها التعاطف قوته، و مشاركةُ تجاربكم مع الآخرين، سيكونُ خطوةً نحو بناءِ عالمٍ أكثرَ رحمةً وتفهمًا. فلنُسمح لأرواحنا أن ترقصَ معاً، بلا كلامٍ، بل بلغةِ القلبِ المُفهومة.

Photo by Zachariah Hagy on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top