كم مرة واجهتَ موقفاً صعباً، شعرتَ فيه بأنك على وشك الانهيار؟ كم مرة ظننتَ أن الحياة قد أوقفتك عند حدودِها، وأنك لن تستطيعَ تجاوزَ تلك العقبات؟ نحن جميعاً نمرُّ بتجاربٍ مُرهقةٍ تُختبرُ فيها قوتنا وصلابتنا. ولكن، ما يُميزُ الأشخاصَ الأقوياءَ ليس فقط قدرتهم على الصمود، بل قدرتهم على الاستجابةِ بمرونةٍ للتغيراتِ والصدماتِ الحياتية، والتكيّفِ معها بذكاءٍ وإيجابيةٍ. هذه هي المرونة، تلك القدرةُ الرائعة على الارتدادِ كالنابضِ بعدَ الضغط، والتحوّلِ من نقطةِ ضعفٍ إلى نقطةِ قوةٍ. إنها ليست مجردَ قدرةٍ على تحملِ الصعاب، بل هي فنٌٌّ دقيقٌ في التكيّفِ معها، وإعادةِ بناءِ الذاتِ من جديدٍ. فكر في مرونة شجرةٍ صغيرةٍ تُقاومُ رياحاً عاتية، أو مرونة نملةٍ صغيرةٍ تحملُ وزناً يفوق وزنها مراتٍ عديدة. هذه المرونةُ هي سرُّ بقائهم.

تنبتُ زهورٌ من شقوقِ الصخرِ المُتساقط.

هذا القولُ البليغُ يُجسّدُ جوهرَ المرونةِ ببراعةٍ. فالصخرُ المُتساقطُ يُمثّلُ الصعابَ والتحدياتَ التي نواجهها في حياتنا، أما الزهورُ التي تنبتُ من شقوقهِ فهي رمزٌ للأملِ والنموِّ والقوةِ التي تُخفيها داخلنا. فمهما كانت الصعابُ كبيرةً، مهما بدا الوضعُ ميؤوساً منه، فإنّ داخلنا قوةٌ كامنةٌ قادرةٌ على إنتاجِ شيءٍ جميلٍ من وسطِ التدميرِ. تخيلوا مثلاً شخصاً فقدَ وظيفته، لكنّهُ استخدمَ هذهِ الخبرةَ ليبدأَ مشروعاً خاصاً به، أو شخصاً تغلّبَ على مرضٍ خطيرٍ وأصبحَ مُلهمًا لآخرين. هذهِ أمثلةٌ حيةٌ على قوةِ المرونةِ، وقدرتها على تحويلِ الأزماتِ إلى فرصٍ. المرونةُ ليستُ ضعفا، بل هي إدراكٌ للقوةِ الكامنةِ داخلنا، وقدرةٌ على إعادةِ بناءِ حياتنا بشكلٍ أفضلَ وأقوى.

في الختام، المرونةُ ليستُ قدرةً فطريةً فقط، بل هي مهارةٌ يمكنُ تطويرها من خلالِ التعلّمِ والتدريبِ. تعلّمُ الاستجابةِ للمواقفِ الصعبةِ بطريقةٍ إيجابيةٍ، وتقبُّلُ التغيراتِ كجزءٍ طبيعيٍّ من الحياةِ، وإيجادُ طرقٍ للتكيّفِ معها، كلُّها عناصرٌ أساسيةٌ لبناءِ مرونةٍ قويةٍ. أدعوكم اليومَ إلى التفكيرِ في مواقفَ مررتُم بها، وكيفَ تعاملتم معها، وما الدرسَ الذي استفدتموهُ منها؟ شاركونا أفكاركم وتجاربكم، فلنُلهم بعضنا البعضَ على دربِ المرونةِ والنموِّ. تذكروا دائماً أن الزهور تنمو حتى في أصعب الظروف، وأن قدرتكم على المرونة هي مفتاح سعادتكم ونجاحكم.

Photo by Pawel Czerwinski on Unsplash