كم من مرةٍ مررتَ بيومٍ عاديّ، مليءٍ بالتفاصيل الصغيرة، لتجد نفسكَ في المساء تشعرُ بِشَحْنةٍ من السعادة الغامضة؟ ربما لم تُدركْ مصدرها، لكنها كانت هناك، خفيفة كالنسيم، دافئة كالقهوة الصباحية. في كثير من الأحيان، يكون سرّ هذه السعادة يكمن في الأشياء البسيطة التي غفلنا عن شكرِ الله عليها. نحنُ نغرقُ في دوامةِ الحياة، نسارعُ نحو أهدافنا، ننسى أن نتوقفَ للحظة لنُقدّر النعم التي تُحيطُ بنا، من صحةٍ وعافيةٍ، إلى عائلةٍ داعمةٍ، وفرصٍ جديدةٍ، إلى أشياءٍ تبدو بسيطة كشمسٍ دافئةٍ أو ضحكةٍ طفلٍ. إنّ تذوقَ هذه اللحظات، وإدراكَ قيمتها الحقيقية، هو أساسُ السعادة الحقيقية والداخلية. وهذا هو جوهرُ الشكر. دعونا نتأمل سوياً في عمق هذا الشعور الجميل.
شكرٌ يرقصُ كَفراشةٍ على نبعٍ خفيّ.
هذا البيت الشعريّ البديعُ يُجسّدُ جمالَ الشكرِ وخفّتهِ. فهو كفراشةٍ رقيقةٍ، ترفرفُ برقةٍ على نبعٍ خفيّ، نبعٍ من السعادة والرضا الذي لا نراهُ دائماً بالعين المجردة. إنّ الشكرَ ليسَ مجردَ كلماتٍ نُرددها، بل هو شعورٌ عميقٌ ينبعُ من القلب، يُلونُ حياتنا بِألوانٍ زاهيةٍ، ويُشعِرُنا بالامتنانِ لكل ما نملك. تخيلوا مثلاً شكرَكم لله على صحةٍ جيدةٍ بعد مرضٍ، أو شكرَكم لأحدٍ على دعمٍ معنويّ ساعدكم على تجاوزَ مرحلةٍ صعبةٍ. هذا الشكرُ ليسَ مجردَ واجبٍ اجتماعيّ، بل هو وقودٌ يُشعلُ قلبكم ويُلهمكم المزيدَ من التفاؤل والأمل. إنه يتجاوزُ الكلمات ليصلَ إلى الروح.
لنشكر اللهَ على كلِ نعمهِ، الكبيرةِ منها والصغيرة، لنُعززَ علاقتنا به، ونُدركَ أننا أكثرُ حظاً مما نظن. لنُقدّر من حولنا، أهلنا، أصدقائنا، زملائنا، وكل من لمسَ حياتنا بلمسةٍ طيبةٍ. فلنكن أكثرَ انتباهاً للخير والجميل في حياتنا، ونُشاركَ هذا الشعورَ مع من نحب. فالشكرُ ليسَ مجردَ شعورٍ شخصيّ، بل هو جسرٌ يُؤصل علاقاتنا ويُقوّيها.
في الختام، دعونا نجعلَ الشكرَ أسلوبَ حياةٍ، تمريناً يوميّاً نمارسه بِوعيٍ واعتزازٍ. فلنستلهم من صورةِ الكفّاشةِ التي تَرقصُ على نبعٍ خفيّ، خفّةَ الشكرِ وجمالهِ، ونُشاركَ بعضنا بعضاً هذه الرحلةَ الجميلة. تأمّلوا في نعمِ اللهِ عليكم اليوم، واكتبوها، واشكرُوهُ عليها، واشاركوا أفكاركم معنا. فلنجعلَ من الشكرِ مصدرَ سعادةٍ لا ينضب.
Photo by Thomas Chan on Unsplash