كم من مرة شعرتَ بضيقٍ في صدرك عند سماع قصة مُؤلمة، أو وجدت نفسك تشارك فرحة صديق كما لو كانت فرحتك الخاصة؟ كم من موقفٍ أدركت فيه أنك لستَ وحيدًا في مشاعرك، وأن هناك من يفهمك، من يُشاركك أحاسيسك، حتى لو لم تُصارحهم بها؟ كل هذه المشاعر، هذه اللحظات التي تُشعرنا بالصلة بالآخرين، هي تجلياتٌ جميلة لقدرة الإنسان على التعاطف، تلك القدرة العجيبة التي تُضفي على حياتنا معنىً أعمق، وتربطنا ببعضنا البعض خيطًا قويًا من الفهم والتراحم. في زحمة الحياة اليومية، وسط ضغوط العمل والمسؤوليات، قد ننسى أحيانًا أهمية هذه القدرة، لكنها في الحقيقة جوهرٌ أساسيٌّ لبناء علاقاتٍ إيجابيةٍ وسعيدة، وبناء مجتمعٍ متماسكٍ ومتفهم. التعاطف ليس مجرد شعور، بل هو فعل، هو اختيارٌ نُمارسه يوميًا، هو طريقٌ نختاره لنجعل العالم مكانًا أفضل.

قلوبٌ من زجاج ملون، ترقصُ على أنغامِ الآخرين.

هذا البيت الشعريّ البديع يُجسّد بعمقٍ ماهية التعاطف. قلوبنا كزجاج ملون، شفافةٌ لكنها تُضفي ألوانًا مختلفة على مشاعرنا. وتلك الألوان تتأثر، بل وترقص، على أنغام مشاعر الآخرين. فكما أن الزجاج الملون ينعكس فيه ضوءٌ متعدد الألوان، كذلك تتأثر قلوبنا المتعاطفة بمشاعر من حولنا، فنشعر بفرحهم كما لو كان فرحنا، ونشعر بحزنهم وكأنه حزننا. خذ مثلاً موقفاً بسيطاً: سماعك لصديقٍ يتحدث عن فقدان عزيز عليه. التعاطف هنا ليس مجرد الاستماع بل هو مشاركة الألم، الشعور به، محاولة فهم عمق الحزن الذي يُعانيه. أو تخيّل نفسك تُساعد شخصًا مُحتاجاً، فهنا لا تقتصر المساعدة على الجانب المادي، بل تتعداها لتشمل التعاطف مع وضع المُحتاج، وفهم معاناته.

التعاطف، ليس ضعفًا، بل هو قوة. هو دليلٌ على وعينا بوجود الآخرين، وعلى قدرتنا على الخروج من أُطرِ أنفسنا لفهم منظورهم. هو القدرة على وضع أنفسنا مكان الآخرين، ليس بالضرورة أن نتفق معهم، ولكن أن نفهم ما يمرون به. التعاطف يفتح لنا أبواباً جديدة للفهم والتواصل، ويُساعدنا على بناء جسور من الثقة والاحترام مع من حولنا، ويُنمّي في أنفسنا الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، ويدفعنا نحو العمل على بناء مجتمعٍ أفضل وأكثر تعاطفاً.

في ختام هذه الكلمات، دعونا نأخذ لحظةً للتفكر في مدى تعاطفنا مع من حولنا. هل نُمارس التعاطف بوعيٍ؟ هل نُولي اهتمامًا كافياً لفهم مشاعر الآخرين؟ دعونا نشارك أفكارنا وخبراتنا حول التعاطف، ونُشجّع بعضنا على ممارسته في حياتنا اليومية. فالتعاطف هو جوهرُ الإنسانية، وهو الطريق إلى عالمٍ أكثر عدلاً وسلامًا. لنحاول جميعًا أن نجعل قلوبنا زجاجًا ملونًا يُضيءُ ويرقصُ على أنغامِ الآخرين، مُنيرًا الطريق نحو حياةٍ أفضل لنا ولمن حولنا.

Photo by SIMON LEE on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top