كم مرة شعرتَ بأنّكَ محاطٌ بأشخاصٍ يبتسمون، لكنّكَ تلمسُ في أعماقِهم ألمًا خفيًا؟ كم مرة حاولتَ فهمَ حزنِ صديقٍ، أو معاناةِ قريبٍ، ففشلتَ في بلوغِ عمقِ مشاعره؟ التعاطف، هذه القدرةُ السّحريةُ على فهمِ مشاعرِ الآخرينِ والمشاركةِ فيها، ليستْ مجردَ كلمةٍ جميلةٍ، بل هي جسرٌ يربطُ بينَ القُلوبِ، ويُضيءُ طريقَ العلاقاتِ الإنسانيةِ الصّادقةِ. في حياتنا المُزدحمة، غالباً ما نُهملُ هذه القدرة، منشغلون بهمومنا الشخصية، نسارع في إصدار الأحكام، ونغفلُ عن استشعارِ ما يدورُ في داخلِ الآخرين. لكنّ رحلةَ التعاطفِ تبدأُ بخطوةٍ واحدةٍ، بإلقاءِ نظرةٍ أعمق، بإصغاءٍ متأنيٍ لِما يُخفيهُ الوجهُ الباسمُ أحياناً.

مرايا كسرتها ضحكة، تعكس ألمًا يُرى.

هذا البيانُ يُلخّصُ جوهرَ التعاطفِ ببراعةٍ. فكثيرٌ منا يُخفي آلامهُ خلفَ قناعٍ من الابتساماتِ، كأنّهُ مِرآةٌ مكسورةٌ، تُظهرُ صورةً مشوّهةً لِواقعِهِ. ضحكتهُ ربّما تُخفي ألمًا عميقًا، معاناةً لا تُرى بالعينِ المجردةِ. ولكنْ، بالتعاطف، بإصغاءٍ حقيقيٍّ لِما يُخبئهُ الآخرُ في قلبهِ، نستطيعُ رؤيةَ هذا الألمِ، فهمَهُ، وإظهارَ الدعمِ اللازمِ. مثالٌ على ذلك، زميلٌ يعملُ بجدٍّ كبير، ولكنّهُ يبدو متعبًا ومحبطًا، ضحكتهُ سطحيةٌ، لا تُخفي قلقهُ وتوترهُ، هنا يُصبحُ التعاطفُ ضروريًا، سؤالٌ بسيطٌ، إصغاءٌ صامتٌ، قد يُحدثُ فرقًا كبيرًا.

لنُفكّرْ في أمٍّ تُخفي تعبها وهمومها خلفَ ابتسامتها الدائمةِ لأولادها، أو صديقٍ يُحاولُ إخفاء خيباتهِ بمُزاحٍ مستمرّ. هؤلاءِ يُشبهونَ مرايا مكسورة، تُظهرُ صورةً مُشوّهة، لكنّ القدرةَ على التعاطفِ تُمكّنُنا من إصلاحِ هذهِ المرايا، ورؤيةِ الصورةِ الحقيقيةِ، الصورةِ التي تُظهرُ الألمَ والحزنَ والمعاناةَ بكلّ وضوحٍ.

في النهاية، التعاطفُ ليسَ موهبةً فطريةً فحسب، بل هوَ مهارةٌ يُمكنُ تطويرُها بالممارسةِ. لنتعلّمْ أن نكونَ أكثرَ انتباهاً لِمشاعرِ من حولنا، أكثرَ استعدادًا لِفهمِ ألمهم، وأكثرَ قدرةً على تقديمِ الدعمِ والعونِ. حاولوا اليوم أن تُمارسوا التعاطفَ، سواءً مع أقربائكم، أصدقائكم، أو حتى الغرباء، شاركوني تجاربكم، وَ دعونا نُشرّف عالمنا بِلمسةٍ من الإنسانيةِ الحقيقيةِ. فلنُحاول معًا إصلاحَ مرايا القلوبِ المكسورةِ، وَنَرى الصورةَ الواضحةَ لِلحياةِ بكلّ جمالها وألمها.

Photo by David Jorre on Unsplash