كم مرةً شعرتَ بأنكَ وحيدٌ في عالمٍ صاخب؟ كم مرةً تمنيتَ لو أنَّ شخصاً ما فهمَ ما يدورُ في داخلكَ دونَ الحاجةِ إلى الكلام؟ إنَّ الحياةَ مليئةٌ بالمواقفِ التي تجعلُنا نشعرُ بالوحدةِ، بالغربةِ، بأنَّ مشاعرَنا وأحلامَنا فريدةٌ لدرجةِ أنها لا تُفهمُ من قبلِ الآخرين. ولكن، ماذا لو وجدنا من يمدُّ لنا يدَ العونِ، من يفهمُ صمتَنا، من يُشاركُنا أحلامَنا حتى وإن كانت غريبةً؟ هذا هو جوهرُ التعاطف، تلكَ القدرةُ السحريةُ على فهمِ مشاعرِ الآخرين ومشاركتهم إياها، رحلةٌ جميلةٌ إلى أعماقِ القلوبِ، رحلةٌ تحتاجُ إلى قلبٍ مفتوحٍ وعقلٍ متفتح. هو ليس مجردُ شعورٍ عابر، بل هو فنٌّ نحتاجُ إلى تعلّمهِ وممارستهِ يومياً ليُصبح جزءاً من شخصياتنا.

أجنحةٌ خفيفةٌ تحملُ ريشَ أحلامٍ غريبة.

هذا البيتُ الشعريُّ الجميلُ يصفُ التعاطفَ ببراعةٍ. فالتعاطفُ كأجنحةٍ خفيفةٍ، ترفعُنا فوقَ عالمِ المشاعرِ المُتضاربةِ، نحملُ فيها ريشَ أحلامٍ غريبة، أحلاماً قد لا تُفهمُ بسهولة، أحلاماً قد تُعتبرُ غريبةً أو مختلفةً، لكنها أحلامٌ حقيقيةٌ تستحقُّ الفهمَ والقبولَ. تخيلوا أنتم تشاركون شخصاً ما حلمه، مهما كانَ غريباً، بلا تحيزٍ أو حكمٍ مسبق، بمجردِ الاستماعِ والفهمِ، هذا هو جوهرُ التعاطف. فمثلاً، قد يجدُ شخصٌ ما صعوبةً في التعبيرِ عن مشاعرهِ، لكنّ مجرّدَ إعطائهِ الوقتِ والفضاءِ لكي يُعبّر، والاستماعِ إليهِ بقلوبٍ مفتوحة، يُعتبرُ نوعاً من التعاطف. أو قد يكونُ شخصٌ ما يعاني من مرضٍ نفسيٍّ، فالتعاطفُ هنا ليسَ مجردَ كلماتٍ طيبة، بل هو فهمٌ لواقعهِ ومشاعرهِ والوقوفُ إلى جانبهِ دونَ حكم.

إذن، كيفَ نُنمّي قدرتَنا على التعاطف؟ بدايةً، يجبُ أن نُدركَ أهميةَ الاستماعِ الحقيقي، الاستماعُ ليسَ مجردَ سماعِ الكلمات، بل هو فهمُ المعنى الذي تُريدُ إيصاله، التركيزُ على الناحيةِ العاطفيةِ في الكلام. كما يجبُ علينا تعلّمُ وضعِ أنفسِنا مكانَ الآخرين، التفكيرُ بكيفيةِ شعورهم، ومحاولةُ فهمِ سياقاتِ أفعالهم. يجب علينا أن نتخلّصَ من الأحكامِ المسبقةِ والنظرةِ التعصبية، فكلُّ شخصٍ لهُ ظروفُهُ وزاويتُهُ في النظرِ إلى الحياة.

في الختام، إنَّ التعاطفَ هبةٌ ثمينةٌ، قيمةٌ إنسانيةٌ ساميةٌ، تُساعدُنا على بناءِ علاقاتٍ أكثرَ صحةً وسعادةً، وتُخلقُ مجتمعاً أكثرَ انسجاماً وتفهماً. أدعوكم إلى أن تُجربوا ممارسةَ التعاطف، أن تُلاحظوا الفرقَ الذي يُحدثُهُ في حياتكم وحياةِ من حولكم. شاركوا تفكيركم وتجاربكم في التعليقاتِ أسفلَ هذا المدوّنة. فلنُنشئَ معاً عالماً أكثرَ تعاطفاً.

Photo by Zoltan Tasi on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top