كم من مرة واجهتنا مواقف جعلتنا نتساءل عن مشاعر الآخرين؟ كم مرة شعرنا بالحيرة أمام تعبير وجه غامض، أو سلوكٍ لا نفهمه؟ في حياتنا اليومية، نتعامل مع العديد من الأشخاص، كلٌّ منهم يحمل عالمه الخاص، قصصه، وتجاربه الفريدة. فهم هذه التجارب، والشعور بما يشعر به الآخرون، هو جوهر التعاطف، تلك القوة التي تُبني الجسور بين القلوب وتُرسّخ العلاقات الإنسانية القوية. فالتعاطف ليس مجرد شعور بالشفقة، بل هو قدرة على وضع نفسك مكان الآخر، وفهم أسباب أفعاله، حتى وإن اختلفت مع معتقداتك أو فهمك للأمور. هو فنّ الاستماع الفعال، فنّ المشاركة الصادقة، فنّ التواجد الداعم دون الحكم أو التدخل المُفرط. يُمكننا القول إن التعاطف هو لبنة أساسية لبناء مجتمعٍ مترابط ومتفاهم. لنتعرف سوياً على كيف يمكننا تعزيز هذه القدرة المهمة في أنفسنا.

مرايا العيون، تُحكي قصصًا بلا لغة.

هذا القول البليغ يُلخّص جوهر التعاطف بطريقة مُذهلة. فالعينان، بإمكانها أن تُعبّر عن أكثر مما تُعبّر عنه الكلمات. ففي نظرة عابرة، قد نرى الحزن، الفرح، الخوف، أو حتى القلق. هذه النظرات، هي “قصص” صامتة، تُخبرنا بما يدور في داخل الآخرين، دون الحاجة إلى كلماتٍ مُفصّلة. فإذا أمعنا النظر في عيون الآخرين، بإمكاننا أن نُدرك مشاعرهم بطريقة أعمق، وبالتالي نُظهر تعاطفنا بصورة أكثر فعالية. تخيلوا مثلاً أنكم تتحدثون مع شخصٍ حزين، وسريعًا ما لاحظتم حزنًا عميقًا في عيونه، ستُدركون بسرعة أكثر مدى حاجته للدعم والتفهم، وسيكون لكم قدرة أفضل على الاستجابة لمشاعره بشكلٍ ملائم.

وليس فقط في حالات الحزن، بل في جميع المواقف، مهما كانت بسيطة. فقد تكون نظرة إعجاب، أو نظرة امتنان، أو حتى نظرة استغراب، كلّها تُحكي قصصاً صامتة، ويعتمد فهمها على قدرة المُراقب على التعاطف والاستماع بقلبه قبل أذنيه. التمرّن على ملاحظة هذه التفاصيل الدقيقة في تعابير الآخرين، سيُساعدك على فهمهم بشكل أكثر عمقًا، وسيُعزز قدرتك على التعاطف معهم.

لذا، دعونا نُعيد التفكير في كيفية تفاعلنا مع الآخرين. لنتعلّم فنّ الاستماع بقلوبنا، ولنمارس التعاطف كعادةٍ يومية. أخذ وقتٍ للتفكير في مشاعر من حولنا، ومحاولة فهم أسباب سلوكهم، سيكون خطوة مهمة نحو بناء علاقات أكثر صحةً وأكثر متانة. شاركوا أفكاركم ومشاعركم، فالتعاطف قوةٌ جماعية، وكلٌّ منّا يلعب دورًا هامًا في بنائه وتعزيزه. فلنتذكر دائماً أنّ مرايا العيون تُخبرنا بقصة كلّ إنسان، وليس علينا سوى أن نكون مستعدين للاستماع.

Photo by We are: The Chaffins on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top