كم مرة شعرتَ بأنك محاطٌ بجدارٍ غير مرئيّ، يفصلُك عن الآخرين؟ كم مرة تمنيتَ لو أن أحدهم فهمَ ما يدورُ في قلبك، دون الحاجةِ إلى كلماتٍ كثيرةٍ أو تفسيراتٍ مُعقّدة؟ نحنُ جميعاً نمرُّ بتجاربٍ مشابهةٍ، حيثُ يشعرُ البعضُ بالوحدةِ رغمَ وجودِهم بينَ الناس. هذا الشعورُ ناتجٌ غالباً عن نقصِ التعاطف، ذلك الجسرُ الذي يربطُ بينَ القلوب، ويُسهمُ في بناءِ علاقاتٍ إنسانيةٍ أكثرَ عمقاً وامتداداً. التعاطفُ ليسَ مجردَ شعورٍ عابرٍ، بل هوَ فنٌّ يُتقَنُ بالتمرينِ والوعيِ، وهوَ أساسٌ لبناءِ مجتمعٍ متماسكٍ ومُتراحمٍ. فهمُ الآخرين، ليسَ مجردَ استماعٍ لكلامهم، بل هوَ الغوصُ في أعماقِ مشاعرهم وفهمُ ما وراءَ الكلمات. إنهُ القدرةُ على وضعِ نفسِكَ مكانَ الآخر، وأن تشعرَ بما يشعرُ به. فما الذي يحدث عندما نتقن هذا الفن؟
تُزهرُ الألوانُ في عيونِ من يفهمُ.
هذا القولُ البليغُ يُلخّصُ جوهرَ التعاطفِ بشكلٍ رائع. عندما نفهمُ الآخرين حقاً، عندما نُدركُ معاناتهم وآمالهم، تتفتحُ أمامنا عوالمٌ جديدةٌ من الجمالِ والإنسانية. تُصبحُ عيونُنا قادرةً على رؤيةِ ألوانٍ لم نكنْ نراها من قبل، ألوانٌ تُعبّرُ عن عمقِ المشاعرِ وجمالِ الروحِ الإنسانية. تخيلْ نفسكَ تُحادثُ صديقاً حزيناً، بدلاً من تقديمِ نصائحٍ جاهزة، تحاولُ أن تفهمَ أسبابَ حزنه، أن تستمعَ إليه بانتباهٍ واهتمام، أن تُظهرَ له أنكَ تُشاركُهُ مشاعره. في تلك اللحظة، ستُلاحظُ زهورَ الألوانِ تتفتحُ في عينيهِ، ستُلاحظُ الراحةَ والسكينةَ تعمّ روحه، فقط لأنكَ فهمتَه. هذا ما يعنيهُ التعاطفُ، وهذه هي قوةُ فهمِ القلوب.
وليسَ التعاطفُ مقتصراً على العلاقاتِ الشخصيةِ فقط، بل هوَ ضروريٌ في جميعِ جوانبِ حياتنا. في العملِ، يُساعدُ التعاطفُ على بناءِ فرقٍ متعاونةٍ وإنتاجيةٍ. في المجتمع، يُسهمُ في حلِّ النزاعاتِ وبناءِ السلام. حتى في علاقاتنا مع أنفسنا، يُمكنُ أن يُساعدنا التعاطفُ على قبولِ أنفسنا وتقديرِ قيمتنا، والتغلبِ على صعوباتنا.
لذلك، دعونا نستثمرُ وقتاً للتفكيرِ في كيفيةِ تحسينِ مهاراتنا في التعاطف. دعونا نُدركَ قوةَ الفهمِ والاستماعِ الحقيقيّ. شاركوا تجاربكم مع التعاطف، وكيف أثرَ ذلك على حياتكم. فالتعاطفُ ليسَ مجردَ مفهومٍ نظريّ، بل هوَ قيمةٌ إنسانيةٌ ساميةٌ يجبُ أن نُنمّيها في أنفسنا ونُشجّعَها في محيطنا. ففي التعاطفِ يكمنُ سرّ السعادةِ الحقيقيةِ وجمالُ الحياةِ المُتّصلة.
Photo by Agung Raharja on Unsplash