كم من مرة شعرتَ بتلك الوخزة الخفيفة في قلبك عند رؤية شخصٍ يعاني؟ كم من مرة وجدت نفسك تتمنى لو بإمكانك تخفيف ألمه، ولو قليلاً؟ في زحمة الحياة اليومية، بين ضغوط العمل ومسؤوليات الأسرة، قد ننسى أحياناً أن ننظر حولنا، وأن نلاحظ ما يدور في قلوب من حولنا. نسارع في خطواتنا، مغلقين أبواب قلوبنا على مشاعر الآخرين. لكن التعاطف، هذا الشعور الإنساني النبيل، هو بمثابة جسرٍ يربط بيننا وبين عالمٍ من المشاعر والأحاسيس، عالمٌ غنيٌ بالتفاصيل الدقيقة التي تُظهر جمال الروح البشرية، وعندما نغفل عنه، نفقد جزءًا مهمًا من الإنسانية التي تميزنا. التعاطف ليس مجرد كلمة، بل هو فعلٌ، موقفٌ، اختيارٌ يوميٌّ نُمارسه بإرادتنا، يُغيّر من طريقة تفاعلنا مع العالم ومع أنفسنا.

أجنحةٌ من ريشٍ خفيف، تحملُ أسرارَ النفوس.

هذا البيت الشعريّ جميلٌ في بساطته، ويُجسّد ببراعةٍ ماهية التعاطف. أجنحةٌ رقيقةٌ، خفيفةٌ، كأنها همساتٌ، تحملُ أسرارَ النفوس، تُطيرُنا إلى عوالم الآخرين، تُمكننا من فهم مشاعرهم وآلامهم دون حاجةٍ إلى كلماتٍ صريحة. فالتعاطف ليس فقط استيعاب معاناة الآخر، بل هو القدرة على الولوج إلى عالمه الداخلي، فهم دوافعه، وحتى تخمين ما لا يُقال. تخيل نفسك مثلاً تستمع لصديقٍ يتحدث عن خيبة أملٍ عاشها، تعاطفك الحقيقيّ لن يقتصر على قول “أنا آسف”، بل سيتجلى في موقفك، في نظرتك، في طريقة استماعك المُنصتة، في حركتك الطبيعية التي تُظهرُ مدى اهتمامك بمعاناته. هذا هو جوهر التعاطف: الاستماع الفعليّ، وإعطاء الآخر مساحة آمنة ليعبّر عن نفسه بدون حكم.

في النهاية، التعاطف هو هديةٌ ثمينةٌ، يُمكننا من خلالها بناء علاقاتٍ أكثر متانةً، ومجتمعٍ أكثر انسجامًا. إنه مفتاحٌ لفهم الآخرين، وإيجاد الجمال حتى في أصعب المواقف. دعونا نُطوّر قدرتنا على التعاطف، ونُصبح أكثر وعيًا بمشاعر من حولنا. فالتعاطف ليس ضعفًا، بل قوةٌ إنسانيةٌ فائقةٌ.

فلنتأمل اليوم في كيفية تعاملنا مع من حولنا، هل نُبدي التعاطف الكافي؟ هل نُنصت بصدق؟ شاركونا أفكاركم وتجاربكم في تعليقاتكم، لنعزز معًا قيمة التعاطف في حياتنا. فكلّ قلبٍ مُتعاطفٍ هو بمثابة شمعةٍ تنير طريق الآخرين، وتُساهم في بناء عالمٍ أكثر إنسانيةً وعدلاً.

Photo by Karine Germain on Unsplash

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top