كم مرةً شعرتَ بأنّكَ محاطٌ بجدارٍ من الصمت، يفصلُكَ عن الآخرين؟ كم مرةً رغبتَ في فهم ما يدور في عقولهم، في قلوبهم، دون أن تُجبرهم على الكلام؟ التعاطف، هذا الشعور الرائع، هو الجسر الذي يربطنا ببعضنا البعض، هو النور الذي يخترق ظلام سوء الفهم، وهو المفتاح الذي يفتح أبواب القلوب المغلقة. في حياتنا اليومية، نصادف مواقف لا تُحصى تتطلب منا جرعةً من التعاطف، من صديق يعاني من ضائقةٍ مالية إلى زميلٍ يمرُّ بمرحلةٍ صعبةٍ في حياته الشخصية. فالتعاطف ليس مجردَ شعورٍ عاطفيٍّ، بل هو سلوكٌ يُترجمُ إلى أفعالٍ، إلى كلماتٍ صادقةٍ، إلى أذنٍ صاغيةٍ، إلى يدٍ مُساندة. إنه فنٌّ رفيعٌ يتطلبُ منّا الممارسةَ والتدريبَ المستمرّين. ولكن، ما الذي يكمن وراءَ هذا الفنّ؟ ما هي الأسرار التي لا تُقال، والتي تحملها أرواحُ من حولنا؟
أجنحة فراشة، تحمل همس أسرار غير مروية.
هذا القولُ يجسّدُ بدقةٍ جوهرَ التعاطف. فكّرْ في الفراشة، خفيفةٌ رقيقةٌ، تحملُ على أجنحتها ألواناً زاهيةً، لكنّها تحملُ أيضاً أسراراً خفيةً، همساً هادئاً لا يُسمعُ إلاّ لمن يملكُ حساسيةً كافيةً للاستماع. هكذا هي أرواحُ البشر، تُظهرُ لنا ما تريده أن نراه، لكنّها تخفي وراءَ ذلك طبقاتٍ عميقةً من المشاعر والأحاسيس. التعاطف هو القدرةُ على سماعِ هذا الهمس الخفي، على رؤيةِ ما وراءَ الكلمات، على فهمِ ما لا يُقال. قد يكون هذا الهمسُ عبارةً عن خوفٍ مُستتر، أو حزنٍ مُضمر، أو ألمٍ مُكتوم. وكلّما زادَ تعاطفُنا، زادت قدرتنا على فهم هؤلاء الأفراد ودعمهم بفعالية. فمثلاً، الاستماعُ المُتَفهّمُ لأحدٍ يعاني من الاكتئاب، أو تقديمُ الدعمِ النفسيّ لشخصٍ فقدَ عزيزاً عليه، يُعدّان من أبرزِ مظاهرِ التعاطف الحقيقي.
في الختام، إنّ التعاطف ليسَ رفاهيةً، بل هو ضرورةٌ حيويةٌ في بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ قويةٍ وصحيةٍ. إنه بمثابةُ جسرٍ يربطُ بين القلوب، ويُذيبُ جليدَ سوءِ الفهم. أدعوكم اليومَ إلى التّأملِ في مدى تعاطفكم مع من حولكم، وتحليلِ مواقفكم السابقة، والتّفكيرِ في كيف يمكنكم تطويرَ هذه المهارةِ الثمينة. شاركونا أفكاركم وخبراتكم في التعليقات أدناه، فلنبنِ معاً مجتمعاً أكثرَ تعاطفاً وتفهّماً. ففي النهاية، كلٌّ منّا يحتاجُ إلى “أجنحة فراشة” تحملُ همسَ أسرارهِ غير المروية، وتجدُ من يستمعُ إليها بفهمٍ وتقدير.
Photo by Maria Orlova on Unsplash